تدرك ان من حولها لا يرون فقط الا وجهها الساكن
.لا يدرك احد ابدا ان خلف هذا السكون .. خلف هذا الركود مياه عميقة جدا .. تعج بمختلف انواع الحيوات .. مياه عميقة جدا .. قد تهلك لو سقطت فيها ظنا منك أنها بركة ضحلة .. نعم فبالرغم من كون مياه البئر عذبة.. إلا أنها قد تكون مهلكة أيضا .. ليست كل المياه العذبة مانحة للحياة .. ليست المياة المالحة فقط التى يجب ان تخشاها .
سطحها دوما ساكن .. هادئ .. قلما توتر او ظهر علية انفعالا .. دوما يظن الحمقى ان السطح وحدة كفيل للحكم على الأعماق .. كم هم حمقى هولاء الحمقى .
فقط ..فقط .. أحيانا .. حينما ترفع عينيها تجاه شخص ما .. يدرك ان الوجه الرائق .. الهادئ الخالي من الانفعال .. يختزن كل شيء .. فى تلك اللجتين العميقتين الحزينتين .. حينها قد يغرق احدهم فى اعماق ذلك الحزن .. او يكون ذكيا.. فيفر دون ان يجرؤ للحظة على النظر خلفه مرة أخرى ..تراقب هي الكل من خلف الحائل الزجاجي الأملس الذي وضعته بينها وبين الكل .. لكنها لم تستطيع أبدا يقنا ان تدرك .. من يراقب من حقا ؟
تدرك الكثير .. وتعلم الكثير .. ولكنها دوما تصمت .. فقط تحتفظ بكل شيء فى أعماقها.. لا تدرى ان كان سكونها هذا .. عن إيمان لا يتزحزح .. ام هو مجرد حماقة مطلقة .
بداخلها .. ترتفع موجات مد قوية .. تغرقها من الأعماق إلى الأعماق .. دون ان يتغير او يهتز سطحها الساكن .. الا فى بضع قطرات من المياه .. المالحة هذه المرة .. تنزلق على السطح فى هدوء وسكون.. وسرعان ما تبتلعها المياه العذبة .
قطراتها هذه لم تسمح لمخلوق أن يشاركها إياها إلا وسادتها .. وحدها .. التى لن تفعل شيئا سوى ان تمتص قطراتها فى صمت ..
حتى فى تلك اللحظات وجهها لا يأخذ تعبيرا معينا .. فقط قطرات تنزلق على السطح الأملس فى هدوء .. تعود بذاكراتها الى أيام طفولتها الأولى .. والى الأقاصيص التي كان والداها يلقونها على مسامعها.. عن أنها كيف كانت دوما حتى كطفلة لا يتجاوز عمرها أصابع اليد الواحدة تبكى بالا ادني صوت .. يقص عليها والدها قصة أطفال ما .. عن الأسد وكيف التهم الغزال .. فيفاجئ الأب .. بطفلته وقد اغرورقت عيناها بالدموع هكذا فقط بلا أدنى صوت .. انهمار كامل لأمطار عاتية .. بلا رعد او برق .. انهمار صامت لأمطار مالحة.
ويحاول الأب الطيب ان يخفف عن طفلته .. فيحاول تعديل نهاية القصة .. بأن الغزال خدع الأسد وتظاهر بالموت .. فقط ليكف طفلتة الم الحزن والبكاء .
الطفلة كبرت الآن .. ولاتزال دموعها تنهمر بذات الغزارة .. وذات السكون أيضا .. لكنها تدرك ان النهاية الحقيقة للقصة.. ان الأسد التهم الغزال .. وان مئات الأطنان من أمطارها .. لن تعيد الغزال للحياة ..او تجعله يفلت من براثن الأسد وانيابه .